"يجول Yagoul" مشروع يهدف لإثراء المحتوى العربي على الانترنت في كافة المجالات والمواضيع من التعليم والثقافة والاعمال والسفر والسيارات وغيرها ..
كما يعمل ان يصبح واحداً من اكبر مصادر المعلومات العربية على الانترنت من أجل مساعدة الباحثين ورواد المعرفة والمستخدمين من مختلف الفئات في ايجاد المعلومة بسهولة من خلال تصنيف "يجول" هو الوصول الاسرع للمعرفة.
mahi fathi
2 years ago

السقوط فى بئر سبع الجزء الثانى
السقوط فى بئر سبع الجزء الثانى حيث دئما مصالح الدول تتشابك فيما بينها مما يحتاج معها الى تجنيد جواسيس فى الدول الاخرى لتحقيق مصالحها الخاصة على حساب الدول المخترقة ولذلك نجد ان الجاسوسية منتشرة بين جميع الدول منذ فجر التاريخ نجد الكثير من القصص التى اكتشفت وما خفيا كان أعظم بالطبع ومن تلك القصص قصة السقوط فى بئر سبع الجزء الثانى:

تعددت زيارات ابراهيم وانشراح إلى روما... بعضها كان باستدعاء من الموساد.. والبعض الآخر كانت لاستثمار عشرات الآلاف من الدولارات التي حصلوا عليها من جراء عملهما في التجسس.
وفي إحدى هذه الزيارات.. قررا إشراك ولديهما لزيادة الدخل بتوسع حجم النشاط... ولم يكن من الصعب عليهما تنفيذ ما اتفقا عليه..
يقول الابن عادل في حديثه المنشور بجريدة معاريف: "عاد أبي وأمي ذات مساء من روما يحملان لنا الملابس الأنيقة والهدايا... وأحسست من خلال نظراتهما لبعضيهما أن هناك أمراً ما يجري الترتيب له وعرفت الحقيقة المرة عندما أجلسني أبي قبالته أنا وأخويّ وقال في حسم:
مررنا كثيراً بظروف سيئة.. لم نكن نملك أثناءها ثمن رغيف الخبز.. أو حفنة من الملح.. والآن نعيش جميعاً في رغد من العيش... ويسكن حوالينا أولاد في عمركم يحيون جوعى كالعبيد... أما أنتم فتنعمون بكل شيء كالملوك. ولم تسألوني يوماً من أين جئت بكل هذا.. ؟
إن عملي في الحكومة .. وتجارتي أنا وأمكن وشقائي طوال تلك السنوات لم يكن هو سبب النعيم الذي نحن جميعاً الآن... والحقيقة .. أن هناك أناساً يحبوننا للغاية.. وهم هؤلاء الذين يرسلون لنا الهدايا والمال... وبفضلهم لدينا طعام طيب وملابس جميلة.. إنهم الاسرائيليون... وهم الذين أنقذوا حياتنا من الجوع والضياع... وأمنوا لنا مستقبلاً مضموناً يحسدنا عليه كل من نعرفهم.
حدث ذلك في صيف ١٩٧١، وكنت وقتها في الثالثة عشر من عمري، وكان أخي نبيل يكبرني بعامين تقريباً وأخي محمد بعام واحد.
وكطفل ... لم أعر الأمر أهمية خاصة ... لحقيقة أن أبي "يعمل" مع الاسرائيليين.. ومثل كل الأولاد... كنت قد كبرت وتربيت على كراهية اليهود... لكن في البيت تلقيت تربية أخرى ... فقد عرفت أن الاسرائيليين هم المسؤولون عن الطعام الذي آكله... وعن الملابس الجديدة التي أرتديها... وعن الهدايا التي أتلقاها... لذلك .. سعدت لأنني كنت محظوظاً.
وكلما كبرت .. بدأت أدرك معنى "عمل" أبي .. وبدأ الخوف ينخر أكثر وأكثر في عظامي... فقد كانت كماشة من الموت تطبق علينا... وكفتى بالغ أدركت أنهم لو ضبطونا سيتم شنقنا.. من ناحية أخرى كان الخوف من حياة الفقر يصيبني بالشلل... فقد كنت ملكاً لديه كل شيء".
هكذا انخرطت الأسرة كلها في التجسس... وأصرت انشراح على الانتقال من الحي الشعبي الفقير إلى آخر رقياً وثراء... وعندما عارض زوجها قالت له: دعنا نستمتع بالحياة فربما ضبطونا.
وفي النهاية انتقلوا إلى فيلا فاخرة بمدينة نصر.. ونقل نبيل ومحمد وعادل مدارسهم إلى الحي الراقي الجديد.
احتفظ ابراهيم شاهين بعلاقاته القديمة وأقام أخرى جديدة... وامتلأ البيت مرة أخرى بالأصدقاء من رجال الجيش والطيارين... وتحول أولاده إلى جواسيس صغار يتنافسون على جلب المعلومات من زملائهم أبناء الضباط في المدرسة والشارع... ومناوبة الحراسة ريثما ينتهي أباهم من تحميض الأفلام... فكان نبيل يتولى المراقبة من الخارج... وعادل من داخل البيت ... وحصل نبيل على أدوار أكثر جدية.. فكان أبوه يسمح له بكتابة الرسائل بالحبر السري وتظهيرها... وصياغة التقارير وتحميض الصور.
وذات مساء بينما هم جميعاً أمام التليفزيون ... عرض فجأة فيلم تسجيلي عن أحد الجواسيس الذي انتهى الأمر بإعدامه شنقاً.. وطوال وقت عرض الفيلم انتابتهم حالة صمت تضج بالرعب والفزع... واستمروا على تلك الحال لأسابيع طويلة.. امتنعوا خلالها عن كتابة التقارير أو الرسائل... حتى تضخم لديهم الخوف وأصيبوا بالصداع المستمر.. ومرض ابراهيم فاضطرت انشراح للسفر وحدها إلى روما تحمل العديد من الأفلام... خبأتها داخل مشغولات خشبية.
كانت الرحلة إلى روما منفثاً ضرورياً للخروج من أزمتها النفسية السيئة.. وفي الوقت نفسه لتطلب من رجال الموساد السماح لهم بالتوقف عن العمل... فلما التقت بأبو يعقوب ضابط الموساد الداهية... قصت عليه معاناتهم جميعاً ومدى الخوف الذي يسيطر على أعصابهم.. فطمأنها الضابط ووعدها بعرض الأمر على الرئاسة في تل أبيب.. بعدها عادت إلى القاهرة تحمل آلاف الدولارات.
وفي آخر سبتمبر ١٩٧٣ كانت انشراح بمفردها في رحلة أخرى من رحلتها المعتادة إلى روما .. فاستقبلها أبو يعقوب المسؤول عن توجييها واستلام التقارير والأفلام منها. حتى فاجأها أبو يعقوب في أكتوبر بنبأ هجوم الجيش المصري والسوري على إسرائيل... وأن احتمال القضاء على دولة اليهود أصبح وشيطاً. كان يقول لها ذلك وهو يبكي ويرتعد جسده انفعالاً.. فأخذت تواسيه وتبكي لأجله ولأجل إسرائيل... الدولة الصغيرة التي يسعى العرب لتدميرها .
وفي أبريل ١٩٧٤ اقترحت إنشراح على أسرتها السفر إلى تركيا للسياحة.. وبينما هم في أنقرة اتصل بهم أبو يعقوب وطلب من ابراهيم أن يسافر إلى أثينا لمقابلته. ومن هناك سافر إلى إسرائيل. وفي مبنى المخابرات الاسرائيلية سألوه:
كيف لم تتبين الاستعدادات للحرب في مصر؟ فأجابهم: لم يكن هناك إنسان قط يستطيع أن يتبين أية استعدادات. فبعض معارفي وأقاربي من ضباط القوات المسلحة تقدموا بطلبات لزيارة الكعبة للعمرة.
وأضاف ابراهيم:
في حالة ما إذا كنت قد علمت بنية الحرب فكيف أتصل بكم ...؟ فالخطابات تأخذ وقتاً طويلاً وهي وسيلة الاتصال الوحيدة المتاحة.
وبعد اجتماع مطول قرر قادة الموساد تسليم إبراهيم أحدث جهاز إرسال لاسلكي في العالم يتعدى ثمنه المائة ألف دولار. فلقد كانت لديهم مخاوف تجاه الفريق سعد الدين الشاذلي الذي يريد تصعيد الحرب... والوصول إلى أبعد مدى في سيناء مهما كانت النتائج... عكس السادات الذي كان يريدها حرباً محدودة.
دُرب إبراهيم لمدة ثلاثة أيام على كيفية استخدام الجهاز... وعندما تخوف من حمله معه إلى القاهرة.. عرضوا عليه أن يذهب إلى الكيلو ١٠٨ طريق القاهرة السويس الصحراوي. وهناك سيجد فنطاس مياه كبيرة مثقوب وغير صالح للاستخدام... وخلفه جدار أسمنتي مهدم عليه أن يحفر في منتصفه لمسافة نصف المتر ليجد الجهاز مدفوناً. وأخبره ضابط الموساد الكبير أن راتبه قد تضاعف، وأن له مكافأة مليون دولار إذا ما أرسل للإسرائيليين عن يقين بميعاد حرب قادمة.
عاد إبراهيم إلى أثينا ثم أنقره حيث تنتظره الأسرة... فقضوا أوقاتاً جميلة يستمتعون بالمال الحرام وبثمن خيانتهم.
عقب عودتهم إلى القاهرة استقلوا السيارة إلى الكيلو ١٠٨ وغادرت انشراح السيارة وبيدها معول صغير...وظلت تحفر إلى أن أخرجت الجهاز... فنادت على ابنها عادل الذي عاونها وحمله إلى السيارة ملفوفاً في عدة أكياس بلاستيكية... وعندما ذهبوا بالجهاز إلى المنزل أراد ابراهيم تجربته بإرسال أولى برقياته فلم يتمكن من إكمال رسالته.. بعدما تبين له أن مفتاح التشغيل أصيب بعطل (ربما نتيجة الحفر بالمعول).
حزن الجميع... لكن انشراح عرضت السفر لإسرائيل لإحضار مفتاح جديد.. وسافرت بالفعل يوم ٢٦ يوليو ١٩٧٤ ففوجئ بها أبو يعقوب ودهش لجرأتها... ومنحها مكافأة لها ٢٥٠٠ دولار مع زيادة الراتب للمرة الثالثة إلى ١٥٠٠ دولار شهرياً
وأثناء وجود انشراح في إسرائيل بين جدران الموساد، كانت هناك مفاجأة خطيرة تنتظرها في القاهرة فعندما كان ابراهيم يحاول إرسال أولى برقياته إلى إسرائيل بواسطة الجهاز – استطاعت المخابرات المصرية التقاط ذبذبات الجهاز بواسطة اختراع سوفييتي متطور جداً اسمه (صائد الموجات) وقامت القوات بتمشيط المنطقة بالكامل بحثاً عن هذا الجاسوس. ومع محاولة تجربة الجهاز للمرة الثانية أمكن الوصول لإبراهيم بسهولة.
وفي فجر ٥ أغسطس ١٩٧٤ كانت قوة من جهاز المخابرات المصرية تقف على رأس ابراهيم النائم في سريره. استيقظ مذعوراً وفي الحال دون أن توجه إليه كلمة واحدة في هلع:
أنا غلطان ... أنا ندمان .. الجوع كان السبب ... النكسة كانت السبب... اليهود جوعوني واشتروني بالدقيق والشاي.
ولما فتشوا البيت عثروا على جهاز اللاسلكي ونوتة الشفرة... والتزم ابراهيم الصمت... وكان بدنه كله يرتجف... سحبوه في هدوء للتحقيق معه في مبنى المخابرات العامة، بينما بقيت قوة من رجال المخابرات في المنزل مع أولاده الثلاثة تنتظر وصول انشراح، تأكل وتشرب وتنام دون أن يحس بهم أحد.
وعلى طائرة ايطاليا رحلة ٧٩١ في ٢٤ أغسطس ١٩٧٤، وصلت انشراح إلى مطار القاهرة الدولي قادمة من روما بعد شهر كامل بعيداً عن مصر، تدفع أمامها عربة تزدحم بحقائب الملابس والهدايا، ونظرت حولها تبحث عن زوجها فلم تجده، فاستقلت تاكسياً إلى المنزل وهي في قمة الغيظ... وعندما همت بفتح الباب اقشعر جسدها فجأة، فدفعت بالباب لا تكترث... لكنها وقفت بلا حراك... وبالت على نفسها عندما تقدم أحدهم... وأمسك بحقيبة يدها وأخرج منها مفتاحين للجهاز اللاسلكي بدلاً من مفتاح واحد. وكانت بالحقيبة عدة آلاف من الدولارات دسها الضابط كما كانت .. وتناول القيد الحديدي من زميله وانخرست الكلمات على لسانها فكانت تتمتم وتهذي بكلمات غير مفهومة ... وقادوها مع ولديها إلى مبنى المخابرات وهناك جرى التحقيق مع الأسرة كلها.
ولما كانت المخابرات الإسرائيلية لا تعلم بأمر القبض على أسرة الجواسيس... وتنتظر في ذات الوقت الرسالة التي سيبعث بها ابراهيم ليطمئنوا على كفاءة عمل الجهاز ... فوجئت الموساد بالرسالة.. لم تكن بالطبع من ابراهيم بل أرسلتها المخابرات المصرية.
"أوقفوا رسائلكم مساء كل أحد... لقد سقط جاسوسكم وزوجته وأولاده، وقد وصلتنا آخر رسائلكم بالجهاز في الساعة السابعة مساء الأربعاء الماضي".
وفي ٢٥ نوفمبر ١٩٧٤ صدر الحكم بإعدام انشراح وزوجها شنقاً، والسجن ٥ سنوات للابن نبيل وتحويل محمد وعادل لمحكمة الأحداث.
وفي ١٦ يناير ١٩٧٧ سيق ابراهيم إلى سجن الاستئناف بالقاهرة لتنفيذ الحكم، كان لا يقو على المشي... وإلى حجرة الاعدام كان يجره اثنان من الجنود وساقاه تزحفان خلفه بينما هو يضحك في هستيريا ثم يبكي... وبعدما تيقن من أنه سوف يُعدم أخذ يردد آيات من القرآن الكريم بكلمات غير مفهومة ثم صاح في انهيار: سامحني يا رب... وتلا عليه مأمور السجن منطوق الحكم .. ثم ردد الشهادتين وراء واعظ السجن ... عندئذ عرضوا عليه آخر طلب له قبل إعدامه فطلب سيجارة.. وبعد أن انتهى من تدخينها جروه جراً إلى داخل غرفة الإعدام ... فقام عشماوي بتقييد يديه خلف ظهره... ثم ألبسه الكيس الأسود ووضع الحبل في رقبته ... وشد ذراعاً... وظل الجسد معلقاً في الهواء يتأرجح إلى أن همد وسكن... واستمر النبض ثلاث دقائق وعشر ثوان بعد التنفيذ ... حتى أعلن طبيب السجن وفاة الجاسوس الذي ظل يتعامل مع الموساد طوال سبع سنوات.
أما انشراح فقد ترددت الأنباء في حينها عن شنقها هي الأخرى .. ولكن في ٢٦ نوفمبر ١٩٨٩ نشرت صحيفة "حداشوت" الاسرائيلية قصة تجسس ابراهيم على صفحاتها الأولى ... وذكرت الصحيفة أن ضغوطاً مورست على الرئيس السادات لتأجيل إعدام انشراح بأمر شخصي منه... ثم أصدر بعد ذلك عفواً رئاسياً عنها .. وتمكنت انشراح (في صفقة لم تعلن عن تفاصيلها) من دخول اسرائيل مع أولادها الثلاثة... حيث حصلوا جميعاً على الجنسية الاسرائلية واعتنقوا الديانة اليهودية.. وبدلوا اسم شاهين إلى (بن ديفيد) واسم انشراح إلى (دينا بن ديفيد) وعادل إلى (رافي) ونبيل إلى (يوسي) ومحمد إلى (حاييم) ... !!!
وعن اللحظات الأخيرة التي وضعت نهاية أسرة الجواسيس... يقول أصغر الأبناء – عادل – في حديثه لصحيفة معاريف الاسرائيلية :
بعد حرب ٧٣ قرر والدي نهائياً أن تكون هذه هي السنة الأخيرة لهم في أعمال التجسس. وكانت الخطة تقضي ببيع البيت والممتلكات والسفر للولايات المتحدة .. وأنا كفتى في الخامسة عشرة من عمره آنذاك فكرت قطعاً في المستقبل .. ووعدني والدي بإرسالي للدراسة في أفضل كلية هناك. وبعد ان اتخذوا قراراً بأن تكون هذه هي السنة الأخيرة لنا في مصر شعرنا أننا أكثر راحة وأزيح حجر ثقيل من على صدورنا. لكن كان هناك حادثان في تلك السنة هزا ثقتنا. فقد أراد والدي تجنيد شقيقه أيضاً. وأتذكر النقاشات التي دارت بين أمي وأبي حول ذلك... فقد خافت أمي من أن يسلمنا شقيق والدي .. وحتى اليوم لست أعرف هل عرف بذلك الأمر أم لا؟. والحادث الآخر كان بعد الحرب عندما قمنا بزيارة الأخوال .. وتشاجرت شقيقة أمي "فتحية" مع ابنتها نجوى... وكانت هناك صرخات عالية في البيت وحاول أبي التدخل... فأغلقت نجوى باب دورة المياة عليها وصرخت في أبي:
"لماذا تتدخل؟ فالجميع يعرف أنك تعمل مع الاسرائيليين".
فدخل أبي وراءها وصفعها، وحتى اليوم لا أعرف من أين عرفت ... وشعرنا أن الأمور خرجت عن السيطرة. وفي إحدى المرات التي سافرت فيها أمي إلى روما كي تحصل على قطع غيار لجهاز البث الذي عطب .. عاد أبي من العمل شاحباً، وجلس على أحد المقاعد ونظر لي وهمس:
"أعتقد أنهم قد تمكنوا مني". وصمتنا ، وأضاف: "لقد سألوا عني في العمل".
فبعد سبع سنوات من التجسس كان لأبي حواس حادة، وعندما قال لنا أنهم قد تمكنوا منه كان قد عرف ذلك عن يقين، كان لدينا في البيت حوالي 6 شرائط أفلام، وبدأ أبي في تمزيقها وحرقها وحرق الخطابات... وأدركنا أن الحكاية قد انتهت... وحتى اليوم لست أدري لماذا لم يأخذنا أبي ويهرب ولماذا لم نطلب منه الهرب؟! وأنا أسترجع تلك الأيام في مخي حتى اليوم لا أفهم لماذا ظللنا في البيت؟. وفي صباح أحد الأيام استيقظنا على صوت طرقات قوية على الباب، وفي المدخل وقف ثلاثة من الرجال وسألوا أين أبي؟ فقلت لهم إنه في العمل، فدخلوا وطلبوا انتظاره. جلس اثنان منهم في الصالون والآخر أخذ مقعداً وجلس بجانب الباب... وقلت له:
"سيدي من فضلك أدخل إلى الصالون".
فأجابني قائلاً: "أشعر بالراحة هنا". فتبادلت أنا وأخي نظرات فزعة، وحاول نبيل الدخول إلى حجرة أبي كي يدمر الوثائق التي كانت هناك ... لكن الأدراج كانت مقفلة وكانت المفاتيح مع أبي، فتبادلنا نظرات يائسة ولم نعرف ما يمكن أن نفعله، مرت ساعة بدت كأنها الدهر ثم سمعنا أصوات سيارات. واقترب من البيت موكب يتكون من عشر سيارات وكانت سيارة أبي تسير ببطء في المنتصف، وتوقفوا أمام المنزل، واقتحم البيت عشرات الجنود ورجال المخابرات وأدخلوا أبي معهم... وبدأو في قلب البيت... ولا يمكن وصف صرخات الفرحة التي خرجت من الجنود عندما وجدوا جهاز الارسال وهنأوا بعضهم قائلين "مبروك" وأحنى أبي رأسه وهمس لنا: "آسف يا أولادي". ويكمل عادل الذي غير اسمه إلى (رافي بن ديفيد) حسب الرواية الاسرائيلية: بعد القبض على والدي تركتنا السلطات المصرية وكنا في حالة يرثى لها... وأردت البكاء والصراخ ولم أستطع... فقد انتهى العالم بالنسبة لي... وبعد ساعات تحدث أخي محمد للمرة الأولى "ماذا عن أمي؟" يجب أن نحكي لها ما حدث. وفي الرابع والعشرين من أغسطس عام ١٩٧٤، في ساعات الصباح المبكر، وصلت أمي إلى البيت، وفي جيب سري بالحقيبة كانت تخفي قطع غيار الجهاز... وكانت قد اندهشت من عدم انتظار أبي لها في المطار، وسألت عند دخولها: "أين أبوكم؟" وكان العناق بيننا بارداً فقلت لقد سافر أبي إلى الريف، فهكذا طلب منا رجال المخابرات المصرية إخبارها. وفهمت أمي على الفور فلا يمكن الكذب على من يحيا في ظل الموت، فاقتحمت حجرة النوم للبحث عن الجهاز هناك ولم يكن الجهاز موجوداً، فجرت نحو الحمام كي تتخلص من المواد التي تحملها. لكن كان قد فات أوان ذلك، فقد اقتحم البيت اثنان من رجال المخابرات ، قال لها أحدهما: "حمداً لله على سلامتك يا دنيا"
فتظاهرت أمي بالبراءة وقالت:"من هي دنيا؟ أنا انشراح"... .
قالت ذلك بثقة فابتسم رجل المخابرات في رضا: "لقد اعترف زوجك بكل شيء".
ذهبنا إلى مبنى المخابرات وأمام المبنى الذي كنت أعرفه جيداً "فقد التقطنا له بعض الصور" استقبلني رئيس النيابة العسكرية محمد السبكي وقال لي: "سترى أبويك قريباً".
وفي التحقيق الأول معي أنكرت وقلت إنني لا أعرف شيئاً .

فى النهاية نتمنى ان تكون القصة نالت على اعجابكم والى لقاء متجدد مع المزيد من القصص المثيرة والمبدعة.