"يجول Yagoul" مشروع يهدف لإثراء المحتوى العربي على الانترنت في كافة المجالات والمواضيع من التعليم والثقافة والاعمال والسفر والسيارات وغيرها ..
كما يعمل ان يصبح واحداً من اكبر مصادر المعلومات العربية على الانترنت من أجل مساعدة الباحثين ورواد المعرفة والمستخدمين من مختلف الفئات في ايجاد المعلومة بسهولة من خلال تصنيف "يجول" هو الوصول الاسرع للمعرفة.
فرحة ودمعة
2 years ago

الجاسوس على العطفى الجزء الثانى
الجاسوس على العطفى الجزء الثانى حيث دئما مصالح الدول تتشابك فيما بينها مما يحتاج معها الى تجنيد جواسيس فى الدول الاخرى لتحقيق مصالحها الخاصة على حساب الدول المخترقة ولذلك نجد ان الجاسوسية منتشرة بين جميع الدول منذ فجر التاريخ نجد الكثير من القصص التى اكتشفت وما خفيا كان أعظم بالطبع ومن قصص عملاء الموساد فى اختراق وطننا العربى قصة الجاسوس على العطفى الجزء الثانى:

في البداية شكك السادات في صحة المعلومات التي قدمها له رئيس المخابرات المصرية، وسأله عن الضابط المسؤول عن ملف العطفى فلما علم بأنه محمد نسيم صدّق كل كلمة لثقته الشديدة بالأخير.
ولشدة خصوصية الموضوع و مدى حساسيته، أمر السادات باطلاعه أولا بأول على كل ما يستجد في موضوع العطفى وأمر بإعطاء ملفه صفة “شديد السرية”، وهي أعلى درجات التصنيف المخابراتي، ثم صدرت بعد ذلك أوامر عليا بإنهاء الملف والقبض على العطفى.
صدرت الأوامر لضابط المخابرات المصري في هولندا، بإحكام الرقابة على العطفى وضرورة ألا يشعر هو بذلك كي لا يلجأ إلى السفارة الإسرائيلية، أو تتدخل السلطات الهولندية وتمنع تسليمه لمصر.
عندما توجه العطفى الى شركة الطيران ليحجز تذكرة رجوع الى مصر، تلقى ضابط المخابرات أمرا بأن يعود معه على الطائرة نفسها و يقبض عليه في المطار بمجرد نزوله من الطائرة، و في ٢٢ (مارس) ١٩٧٩ أقلعت الطائرة من مطار أمستردام و على متنها ضابط المخابرات الذي تأكد من وجود اسم العطفىعلى قائمة الركاب في الرحلة ذاتها، وبعد هبوط الطائرة على أرض مطار القاهرة وقف تحت سلّمها ينتظر نزول العطفي، و كانت المفاجأة الصاعقة أن العطفي اختفى، أين ذهب؟
هل تبخر؟ تحرك الضابط والتقى زملاءه في مكتب المطار فأكدوا له أن العطفى لم يخرج من الطائرة، فأبلغوا العميد محمد نسيم الذي تمكن بأساليبه الخاصة من معرفة أن العطفى في منزله وأنه عاد الى مصر على طائرة أخرى قبل موعد تلك الرحلة بيومين، و كان ذلك من الأساليب المضلّلة التي يتبعها العطفي في تنقلاته و كان لا بد من وضع خطة أخرى للقبض عليه.
في صباح اليوم التالي تلقى العطفي اتصالا من صحفي في مجلة “آخر ساعة” أخبره فيها بأنه يريد إجراء حوار مطوّل معه عن آخر المستجدات في مجال العلاج الطبيعي، وتحدد له موعد التاسعة مساء، وقبل انتهاء المكالمة توسّله الصحفي أن يحبس الكلب الوولف المخيف الذي يلاصقه في تحركاته كلها، فوعده العطفي بذلك وهو يضحك و لا يعلم أن ما تم كان بترتيب محكم من المخابرات المصرية.
في الثامنة والنصف من مساء ٢٣ (مارس) ١٩٧٩، كان حي الزمالك بالكامل محاطاً بسياج أمني على أعلى مستوى لكن من دون أن يشعر أحد، فهذا أحد أحياء القاهرة المعروف برقيّه و بأن عددا كبيرا من سفارات الدول الأجنبية موجود فيه، ويسكنه الكثير من رجال السلك الدبلوماسي الأجانب في القاهرة، ونظرا الى خطورة المهمة و حساسيتها كان من الضروري التحسب لأي شيء مهما كان، وأمام العمارة رقم ٤ في شارع بهجت علي في الزمالك بدا كل شيء هادئا، وعلى مقربة منها توقفت سيارات سوداء عدة تحمل أرقامًا خاصة، ونزل منها أناس يرتدون الملابس المدنية و لا يبدو عليهم شيء غريب.
كان العطفي ينتظر ضيفه الصحفي المتفق على حضوره في هذا الوقت وصل رجال المخابرات إلى باب شقته التي تشغل دورا كاملا بالعمارة المملوكة له ذاتها ويسكنها عدد من علية القوم،
ففتحت الشغالة لهم باب الشقة لتصحبهم إلى الصالون لكنها فوجئت بالعميد محمد نسيم يقتحم غرفة المكتب ليواجه العطفى الذي كان جالسا على مقعده الوثير ينتظر ضيفه الصحافي، وعلى رغم المفاجاة المشلة إلا أنه حاول أن يبدو متماسكا، فأعطى نسيم أوامره لرجاله بأن ينتشروا داخل المنزل.
أخرج نسيم أوامر النيابة بالقبض عليه وتفتيش منزله وأطلعه عليها، و ذلك لاتهامه بالتخابر مع دولة أجنبية فتصنّع العطفي الذهول والدهشة مما يسمع، و بداء يتحدث بنبرة تهديدية لنسيم يحذره فيها من مغبة ما يقوم به، لكن الرجل الذي يعي عمله جيدا واصل مهمته، و قطع ذلك حضور شريف ابن العطفى الطالب بكلية الهندسة، الذي فوجئ بالمشهد المهين لوالده، ودار حوار بالألمانية بين شريف و والده، قال فيه الابن لأبيه أنه سيطلب جمال نجل السادات كي يخبر أونكل السادات بما يتم، وكان بين الحضور ضابط يجيد الألمانية فأخبر وكيل النيابة الموجود مع المجموعة، بحقيقة ما يريده الابن، فطلب ألا يتم ذلك منعًا لحدوث أي بلبلة تعوق المهمة.
تحدث العميد نسيم قائلا: “دكتور عطيفي… أنت متهم بالتخابر مع دولة أجنبية، ونحن جئنا لتنفيذ أمر بالقبض عليك”، فقال العطفي: “أنت عارف بتكلم مين؟”، ثم اتجه إلى الهاتف وأمسك بسماعته، لكن نسيم أخذها منه وقال له: “أولا، إجراءات المخابرات لا يستطيع أحد أن يوقفها ولا حتى رئيس الجمهورية، وثانيا، رئيس الجمهورية على علم تام بكل ما يحدث الآن بل ويتابعه بصفة شخصية، ويجلس الآن ينتظر خبر القبض عليك، ثم أخرج له صورة مع ضباط الموساد التي التقطت له أمام السفارة الإسرائيلية في هولندا فانهار العطفي و ألقى بجسده على أقرب مقعد.
قال العطفي: “أنا هقول على كل حاجة بس قبل ما أتكلم عايز أقولكم على حاجة مهمة، كنت ناوي أتوب تماما الأسبوع الجاي، وسافرت أمستردام الأسبوع اللي فات مخصوص عشان أبلغهم قراري، وكنت ناوي أحج السنة دي و ضابط المخابرات الإسرائيلي أبلغني أني أقدر آخد أسرتي وأسافر بهم إلى تل أبيب و أنا بقترح عليكم دلوقتي إن الأمور تمشي على طبيعتها، أسافر هناك … ومن هناك أقدر أخدم مصر.. وأكفر عن اللي فات، فقال له العميد نسيم مستدرجا إياه:
اقتراح جميل ومقنع تماما، اتعاون معانا بقى عشان نقدر ننفذ الكلام ده“.
ابتلع العطفى هذا الطعم، وبدأ يقص حكايته من الألف إلى الياء، لكنه استخدم ذكاءه و أدخل كثيرا من الحكايات الكاذبة في قصته، و لاحظ رجال المخابرات ذلك، فتركوه يحكي ما يريد، ثم سألوه عن طريقة اتصاله بالمخابرات الإسرائيلية فقال بأن ذلك يتم عن طريق خطابات مشفرة على ورق كربون ويقوم بإرسالها من خلال البريد، و كانت تلك هي أول الأدلة المادية على تورّطه في التجسس.
أخرج العطفى من بين أوراقه “بلوك نوت” عليه بادج المعهد العالي للعلاج الطبيعي، كانت صفحاته بيضاء، وبين أوراقه ورقة مكتوب عليها “بسم الله الرحمن الرحيم” فأشار إلى أنها ورقة الكربون التي يستخدمها كحبر سري،
ثم مد يده بين صفوف كتب مكتبته وسحب كتابا معينا وقال: هذا كتاب الشفرة، فنادى نسيم على واحد من رجاله وسلمه الكربون وكتاب الشفرة، وبإشارات خاصة ومن دون كلام تناولهما الضابط، وبعد لحظات أعطاهما لنسيم و هو يشير بإشارات خاصة ومن دون كلام أيضاً، لكن نسيم عرف أن العطفى يراوغ، لأن الكتاب الذي أعطاه لهم ليس هو كتاب الشفرة، فما كان منه إلا أن حدّثه بلهجة حادة: أين كتاب الشفرة الحقيقي؟ فقام العطفى لإحضاره من مكان آخر، عندها طلب نسيم تفتيش زوايا المنزل وأركانه كافة، ثم عاد العطفى ومعه كتاب الشفرة الذي فُحص وتأكدوا من صحته.
كانت الزوجة انضمت الى الحضور وكذا الابن الثاني عمر، وأخبرهم رجال المخابرات بحقيقة رجل البيت الذي يتجسس لحساب إسرائيل فانهارت الزوجة ـ التي ثبت يقينا في ما بعد عدم علمها بالأمر ـ وأقبلت عليه تصرخ و هي توبّخه بألفاظ نارية، وكذا ابنه الكبير، بينما انخرط العطفى في نوبة بكاء شديدة.
امتدت الجلسة حتى السابعة من صباح اليوم التالي، وأشار نسيم لاثنين من رجاله بمصاحبة الزوجة و ولديه لجمع حاجاتهم و مغادرة المكان، فلقد أصبح منذ تلك اللحظة خاضعا لسيطرة رجال المخابرات، وبدأ فريق الضبط يستعد لمغادرة المكان ومعهم صيدهم الثمين، إنه الدكتور علي العطفى الطبيب الخاص لرئيس الجمهورية يخرج ذليلا منكسرا بين أيدي رجال المخابرات المصرية متّهمًا بأقبح تهمة.
كانت الساعة ٩ صباحًا حينما خرج نسيم بصحبة عدد من رجاله و بينهم العطفى، في حين بقي بعض رجال المخابرات داخل الشقة و خارجها بينما كان هناك فريق آخر سبقهم إلى مقر المعهد العالي للعلاج الطبيعي،و صعد إلى حيث مكتبه.
بعد لحظات جاءت السيارة التي تقل العطفى و توقفت داخلأسوار المعهد، و شاهد الطلاب والأساتذة عميدهم مقبوضا عليه، وفي مكتبه عثر رجال المخابرات على ضالتهم، إنه جهاز اللاسلكي المتطور الذي يستخدمه العطفي في بث رسائله، كان مخبأ في مكان سحري لا يستطيع أحد الوصول إليه سواه، ثم خرج الجميع بعد الأمر بتشميع مكتبه منذ خروج فريق الضبط الى منزل العطفى ورئيس جهاز المخابرات المصرية لم يغادر مكتبه، وكان يتابع لحظة بلحظة عملية الضبط والتفتيش، حتى دخل عليه نسيم قلب الأسد مؤديًا التحية العسكرية و يبشره بانتهائها على خير ما يرام و فورًا أمسك رئيس المخابرات بالهاتف وطلب الرئيس السادات الذي كان متلهفا هو الآخر الى سماع الخبر، لكن السادات طلب أن يسمعه من نسيم شخصيًا، وفيحضور الإثنين إلى استراحة الرئاسة في منطقة الهرم، وأمام السادات روى نسيم كل تفاصيل عملية الخيانة التي تورط فيها طبيبه الخاص، وعملية القبض وما تم ضبطه لديه من أدلة دامغة تثبت تجسسه، فأصدر السادات تعليماته بأن تتم العملية في طي الكتمان، وألا تنشر أجهزة الإعلام عنها أي شيء.
على مدار ٢٠ يوماً توالت اعترافات العطفي لأجهزة التحقيق، و سُوّدت أكثر من ١٠٠٠ ورقة باعترافاته. لكن خلال أيام التحقيق الأولى كان العطفى مصممًا على أنه لم يعمل بالتخابر إلا منذ عام ، لكن تقرير المخابرات جاء ليؤكد أن العطفي كان على علاقة بـ”الموساد” منذ عام ١٩٧٢ وأنه كان يرسل برسائله اللاسلكية المشفرة منذ ذاك التاريخ، وتم التأكيد من ذلك بفحص جهاز الإرسال الذي ضُبط عند العطفى، ومطابقة تردده مع الترددات المجهولة التي رصدتها أجهزة المخابرات منذ عام ١٩٧٢ وعجزت وقتها عن تحديد مصدرها، وكان من بين أحراز القضية جهاز دقيق يستخدم في عرض الميكروفيلم، وكارت بوستال ذو تصميم خاص فيه جيب سري للغاية يوضع به الميكروفيلم.
أثناء التحقيق معه أصدر المدعي العام الاشتراكي في مصر قرارا في ٣ (أبريل)١٩٧٩ بمنع العطفي و زوجته و أولاده من التصرف في ممتلكاتهم، فحُصرت وفُرضت الحراسة عليها، و بناء على هذا القرار أصدرت محكمة القيم حكما في ١ (مارس) ١٩٨١ بمصادرة أموال و ممتلكات العطفي وأسرته لصالح الشعب، وكانت ثروته أثناء القبض عليه تقدر بمليونين ومائتي ألف جنيه.
أما العطفي فأحيل الى محكمة أمن الدولة العليا في القضية رقم ٤ لسنة ١٩٧٩، حيث أصدرت حكمها عليه بالإعدام شنقًا، لكن الرئيس السادات خفف الحكم إلى الأشغال الشاقة لمدة ١٥ سنة فحسب، و رفض الإفراج عنه أو مبادلته على رغم الضغوط السياسية التي تعرض لها وقتها من رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحم بيغن الذي تعددت لقاءاته بالسادات خلال تلك الفترة، وهما يعدّان لاتفاقيات السلام بين مصر وإسرائيل.
بعد صدور الحكم على العطفى، قام الابن الأكبر له بنشر إعلان مدفوع الأجر على مساحة كبيرة من صحف عدة يعلن فيه لشعب مصر أنه يتبرأ من والده ويستنكر خيانته لمصر.
بعد وفاة السادات و تولي الرئيس مبارك الحكم، تقدم العطفي بالتماسات عدة له بطلب الإفراج عنه لظروف صحية لكن مبارك رفض الموافقة على تلك الطلبات التي كان آخرها عام ١٩٨٧، وقيل إنه أصيب بالعمى وهو في سجنه الذي بقي فيه ذليلا مهانا حتى وفاته في 1 (ابريل) عام ١٩٩٠ و رفضت أسرته استلام جثته فدُفنت في مقابر الصدقة.
فى النهاية نتمنى ان تكون القصة نالت على اعجابكم والى لقاء متجدد مع المزيد من القصص المثيرة والمبدعة.